في السُّوق
في السُّوق تَكْمُنُ قِصَّتي وحِكايَتي وقَضِيَّتي
وعِبارةٌ قد حَاكَها الشَّيطانُ والإنسان
في السُّوقِ.. أَشْباهٌ مِن الإنسانِ تَضْربُ بالحَصَى كُلَّ الذي خَانْ
في السُّوقِ.. أَطفالٌ، وقُرآنٌ، ونَصُّ قَصيدَةٍ في مَتْنِها.. ظُلْمُ الأَعَارِبِ وخِيانَةُ السُّلطان
في السُّوقِ.. كُلُّ رِوايَةٍ وخِيانَةٍ قَدْ خَطَّها الإنسانُ للإنسانِ
وكُلُّ خِيانَةٍ أَلقَتْ على الشُّطآنِ نَصَّ قصيدةٍ.. صَرَخَتْ.. فأَرْسَاها صَوْتُها.. على تِلْكِمُ الشُّطْآن
****
في السُّوق.. أصواتُ المَلائِكَةِ ارْتَقَتْ..
صَعَدوا بِروحٍ حَاطَهَا الدَّمُ وغَشَّاها النُّوَاح
هذي رُوحٌ تَرتَقي..
هذي أُمٌّ، هذي أُخْتٌ، هذا طَيْرٌ قد نَأَى.. لَمَّا رأى في السُّوقِ أصواتًا تُسابِقُهُ الصُّرَاخ!
لَمَّا رأى في الجَوِّ أصواتًا.. لها في السُّوقِ
زَيْتٌ وَزَيتونٌ، وخُبْزٌ ناشِفٌ، ونِصْفُ وِسادَةٍ مَدْمِيَّةٍ
فيها قَدْ اجْتَمَعَتْ أَطْيافٌ مِن الخِلّانِ والإخوان
****
في السُّوقِ؛ كُلُّ مَدينَةٍ مَأسُورَةٍ تُباعُ وتُشتَرى.. كَأنَّ سَبِيَّةً مِنْ بَعْدِ حَرْبٍ قَيَّدوها، عَلَّ سَيِّدًا، مِن أَقْصى حَظائِرِهِمْ، يأتي.. ليَبْخسَ بَيْعَهم!
قالوا وشَادوا، أَعْلنوا في السُّوقِ: أنَّ سَبِيَّتَهُمْ؛ أَشْهى وَرَبّي من خُمُورٍ قَدْ أَتَتْ مِن بابلٍ
كأنَّها خُمُورُ الأَنْدَرِينا..
"إذا ما الماءُ خَالَطَها.. سَخِينا"
كَأَنَّهم أَذْنابُ كَلبٍ بَلْ واللهِ أَدْنى
كَخَيْلٍ مِن أَبٍ.. اللهُ يَكرَهُ صَوتَه!
****
ثَاروا عليها، حَرَّقوا أَثْوابَها.. لِمَ لَمْ تُباعي أُخْتَنا؟!
لِمَ لمْ يَسُوموها لنا؟!
صَرَخَ الإلهُ، إلاهُهُمْ..
أَيَا عِبادي.. إنَّها الحَسْناءُ مِن أَرْضِ الشَّآم
وإنَّها.. مَهْدُ المَسيحِ وعنوانُ السَّلام
وإنَّها التَّوراةُ والإنجيلُ مِن بَعْد عيسى، إنَّها.. عَهْدُ الكِرامِ بَنُوْ الكِرام
بَلْ إنَّها الأَرْضونَ في لَوْنِ السَّماء، وإنَّها الإنسانُ في لَوْنِ المَلاك
قالوا: إلاهَنا!
وما العُزَّى ليسمعَ صَوتَهم!!
ذا فارسٌ مِن أرضِ كِسْرى، جاءَ يطلبُ بَيْعَنا
بِمَ؟
بِدِرْهَمٍ.. أَوْ.. دِرْهَمين!!
***
يا ضَيْعَةَ الحَسْناءِ في أَرْضِ الحِجاز
يا ضَيْعَةَ الحَسْناءِ في أَرْضِ الرِّباط
يا ضَيْعَةَ الحَسْناء.. في مَدٍّ.. وجَزْر
فما مَدُّوا لها جَيْشًا
وما أَحْيوا لها عِزّا
و قَدْ خَرِسوا، وقدْ هَانوا، وقَد أَلقوا مَبادِئَهم
وقد غَنُّوا، وقد رَقَصُوا، بجَوْفِ مَعاركٍ أَخْصَتْ.. كُلَّ عُروبَتِهم
****
أَلَا يا أُمِّي لا تَبْكِ..
ولا تُعلِ لهم حرفًا
ولا تُقِمِ لهم وَزْنَاً
وصُوني ثَدْيَكي عِزًّا
وقُومي وارقَعي ثَوبًا
وقومي وادفِني وَلَدًا
ذَرَتْكِ الرّيحُ فانتبهي..
فرَبُّ الرّيحِ لم يَزَلِ..
يقود الرّيحْ
****
قامَتْ.. لتَغْسِلَ وَجْهَها..
مِن دَمعتين أو ثلاثٍ هُنَّ مِن وَحْي الدِّماء
قالتْ لقَلْبِ حَبيبِها وَوَليدِها:
أُمَّــــــــاهُ...
أُمَّـاهُ.. أَخْبِرْ مَنْ رَأى دَمعي على خَدّي.. نَزَلْ
مَنْ رَأى قلبي على وَلدي.. انفطرْ
مَنْ شَادَ في الدّين أَنّي سامعُ الدَّاعي.. إذا ظُلِمَ البَشَرْ
وأنَّهُ للعِرْض حافظٌ.. إذا الإنسانُ قَدْ كَفَرْ
وأنَّهُ للصُبحِ آتٍ مُنْزِلٌ.. إذا أَمَرْ
وأنَّهُ للخائِنينَ.. لا يُبقي ولا يَذَرْ
وأنَّهُ سَاقَ السَّحابَ.. مُثْقَلاتٍ بالمَطرْ
وأنَّهُ قَدْ أَعْجَزَ الألبابَ والأَذْهانَ في أَخْذٍ وَرَدٍّ.. لمْ يُحِطْهُ بَصَرْ
وأنَّهُ خُلِقَ الجمالُ بأمرهِ.. فصَيَّر العُرْجُونَ في أَمْرٍ لَهُ.. قَمَرْ
وأنَّهُ في الكَونِ تحيا روحُهُ.. والموتُ لا يعلو.. على رَبِّ البَشَرْ
وأنَّهُ الرَّحْمنُ في عليائه فَوْقَ السَّماءِ.. عَلى العَرْشِ اسْتَقَرْ
يا خَالقَ الإصْبَاحِ والإمْسَاكِ.. أَنزِلْ نَصْرَكَ المَيمون.. واجْمَعْ جَمْعَنا المَفْتور
فأنتَ الـــلَّـــهُ في عَرْشٍ.. يُحيطُ الكونْ
فزَلزِلْ كُلَّ أَرض الرُّوم
ذَرَوْنا نَنْدُبُ الأَتْرَابَ والأَحْبابْ..
وفي لَيْلٍ يُريحُ القَلبْ..
أَتَانا طَيْرُهُم يَعْوي
ليُنْزِلَ مِخْلَباً في القَلب
فيا الله..
فيا اللَّهُ لا تَرحَمْ.. فظُلْمُ الإنْسِ.. قد نَمَا في الأرض
حَفظنا اللهَ في زَمَنٍ كَلَيْلِ البِيِدِ.. ذَرَاهُ البَدرْ
فإنْ جِئناكَ.. يا سَنداً..
فكُنْ عَوْناً.. لهذي الأرض
وكُنْ عَوْناً لهذا القلب
***
على الأعْرابِ لا تبك.. ففي أَجْسادِهم رَغِبوا
وإنْ مِتْنا.. فلنْ تَرتاحَ مَوْتَتُنا
أَفي أجسادِنا الذّهَبُ؟!
وفي الأفلاكِ مُتَّسَعٌ، سَيَجمَعُ كُلَّ مَنْ ذَهَبوا
وإنَّ اللهَ لا ينسى مَنْ في أرضِهِ ظَلَموا
سيَجمَعُ قَوْلَهم يَوماً.. لماذا طِفلها قَتَلوا؟
لماذا رَحْمَها عَقَروا؟
لماذا لَطَّموا الأطفال؟
لماذا يَتَّموا الخِلّان؟
لماذا هَدَّموا البُنْيان؟
لماذا بَخَّسوا الأَوْطان؟!
***
ألا يا رَبُّ إنَّ الأرضَ قَد ضاقتْ
وإنَّ البَحْرَ مُضْطَرِبُ
وإنَّ الفُلْكَ قَد خُرِقَتْ.. وفي أَحْشائِها لَعِبوا
وإنّ المُزْنَ قد طَلبتْ.. رِيحًا كُلّها غَضَبُ
****
سيأتي الدّينْ
سيأتي الدّينُ يا أُمِّي..
سيأتي الدّينُ بالتّوراةِ مُتَّشِحٌ، وبالإنجيلِ، وبالقُرآن
ويُعلنُ رايةَ الرَّحمنْ
سيرفعُ في البِلادِ الحَقَّ
دَعيهمْ يقتلونَ الإِنْس، دَعيهمْ يَظلمونَ الجَان
فإنَّ اللهَ يَجْمَعُهُمْ بيومِ الدّين
ويومُ الدّينِ لنا بُرْهان
سيأتي الدّين..
سيأتي الدّينُ يا أمّي..
وإنّ الدينَ لنا بُرهان..
فإنْ قتلوكِ في وَطنٍ.. فعِند اللهِ لَكِ الأَوطان