في السُّوق


في السُّوق تَكْمُنُ قِصَّتي وحِكايَتي وقَضِيَّتي

وعِبارةٌ قد حَاكَها الشَّيطانُ والإنسان


في السُّوقِ.. أَشْباهٌ مِن الإنسانِ تَضْربُ بالحَصَى كُلَّ الذي خَانْ

في السُّوقِ.. أَطفالٌ، وقُرآنٌ، ونَصُّ قَصيدَةٍ في مَتْنِها.. ظُلْمُ الأَعَارِبِ وخِيانَةُ السُّلطان 

في السُّوقِ.. كُلُّ رِوايَةٍ وخِيانَةٍ قَدْ خَطَّها الإنسانُ للإنسانِ

وكُلُّ خِيانَةٍ أَلقَتْ على الشُّطآنِ نَصَّ قصيدةٍ.. صَرَخَتْ.. فأَرْسَاها صَوْتُها.. على تِلْكِمُ الشُّطْآن 

****

في السُّوق.. أصواتُ المَلائِكَةِ ارْتَقَتْ..

صَعَدوا بِروحٍ حَاطَهَا الدَّمُ وغَشَّاها النُّوَاح

هذي رُوحٌ تَرتَقي..

هذي أُمٌّ، هذي أُخْتٌ، هذا طَيْرٌ قد نَأَى.. لَمَّا رأى في السُّوقِ أصواتًا تُسابِقُهُ الصُّرَاخ! 

لَمَّا رأى في الجَوِّ أصواتًا.. لها في السُّوقِ 

زَيْتٌ وَزَيتونٌ، وخُبْزٌ ناشِفٌ، ونِصْفُ وِسادَةٍ مَدْمِيَّةٍ 

فيها قَدْ اجْتَمَعَتْ أَطْيافٌ مِن الخِلّانِ والإخوان

****


في السُّوقِ؛ كُلُّ مَدينَةٍ مَأسُورَةٍ تُباعُ وتُشتَرى.. كَأنَّ سَبِيَّةً مِنْ بَعْدِ حَرْبٍ قَيَّدوها، عَلَّ سَيِّدًا، مِن أَقْصى حَظائِرِهِمْ، يأتي.. ليَبْخسَ بَيْعَهم!

قالوا وشَادوا، أَعْلنوا في السُّوقِ: أنَّ سَبِيَّتَهُمْ؛ أَشْهى وَرَبّي من خُمُورٍ قَدْ أَتَتْ مِن بابلٍ

كأنَّها خُمُورُ الأَنْدَرِينا.. 

"إذا ما الماءُ خَالَطَها.. سَخِينا"

كَأَنَّهم أَذْنابُ كَلبٍ بَلْ واللهِ أَدْنى

كَخَيْلٍ مِن أَبٍ.. اللهُ يَكرَهُ صَوتَه!

****


ثَاروا عليها، حَرَّقوا أَثْوابَها.. لِمَ لَمْ تُباعي أُخْتَنا؟! 

لِمَ لمْ يَسُوموها لنا؟!

صَرَخَ الإلهُ، إلاهُهُمْ.. 

أَيَا عِبادي.. إنَّها الحَسْناءُ مِن أَرْضِ الشَّآم

وإنَّها.. مَهْدُ المَسيحِ وعنوانُ السَّلام

وإنَّها التَّوراةُ والإنجيلُ مِن بَعْد عيسى، إنَّها.. عَهْدُ الكِرامِ بَنُوْ الكِرام

بَلْ إنَّها الأَرْضونَ في لَوْنِ السَّماء، وإنَّها الإنسانُ في لَوْنِ المَلاك


قالوا: إلاهَنا!

وما العُزَّى ليسمعَ صَوتَهم!!

ذا فارسٌ مِن أرضِ كِسْرى، جاءَ يطلبُ بَيْعَنا

بِمَ؟

بِدِرْهَمٍ.. أَوْ.. دِرْهَمين!!

***

يا ضَيْعَةَ الحَسْناءِ في أَرْضِ الحِجاز

يا ضَيْعَةَ الحَسْناءِ في أَرْضِ الرِّباط

يا ضَيْعَةَ الحَسْناء.. في مَدٍّ.. وجَزْر


فما مَدُّوا لها جَيْشًا

وما أَحْيوا لها عِزّا


و قَدْ خَرِسوا، وقدْ هَانوا، وقَد أَلقوا مَبادِئَهم

وقد غَنُّوا، وقد رَقَصُوا، بجَوْفِ مَعاركٍ أَخْصَتْ.. كُلَّ عُروبَتِهم

****


أَلَا يا أُمِّي لا تَبْكِ..

ولا تُعلِ لهم حرفًا

ولا تُقِمِ لهم وَزْنَاً

وصُوني ثَدْيَكي عِزًّا

وقُومي وارقَعي ثَوبًا

وقومي وادفِني وَلَدًا

ذَرَتْكِ الرّيحُ فانتبهي..

فرَبُّ الرّيحِ لم يَزَلِ..

يقود الرّيحْ

****


قامَتْ.. لتَغْسِلَ وَجْهَها..

مِن دَمعتين أو ثلاثٍ هُنَّ مِن وَحْي الدِّماء


قالتْ لقَلْبِ حَبيبِها وَوَليدِها:

أُمَّــــــــاهُ...

أُمَّـاهُ.. أَخْبِرْ مَنْ رَأى دَمعي على خَدّي.. نَزَلْ

مَنْ رَأى قلبي على وَلدي.. انفطرْ

مَنْ شَادَ في الدّين أَنّي سامعُ الدَّاعي.. إذا ظُلِمَ البَشَرْ

وأنَّهُ للعِرْض حافظٌ.. إذا الإنسانُ قَدْ كَفَرْ

وأنَّهُ للصُبحِ آتٍ مُنْزِلٌ.. إذا أَمَرْ

وأنَّهُ للخائِنينَ.. لا يُبقي ولا يَذَرْ

وأنَّهُ سَاقَ السَّحابَ.. مُثْقَلاتٍ بالمَطرْ

وأنَّهُ قَدْ أَعْجَزَ الألبابَ والأَذْهانَ في أَخْذٍ وَرَدٍّ.. لمْ يُحِطْهُ بَصَرْ

وأنَّهُ خُلِقَ الجمالُ بأمرهِ.. فصَيَّر العُرْجُونَ في أَمْرٍ لَهُ.. قَمَرْ

وأنَّهُ في الكَونِ تحيا روحُهُ.. والموتُ لا يعلو.. على رَبِّ البَشَرْ

وأنَّهُ الرَّحْمنُ في عليائه فَوْقَ السَّماءِ.. عَلى العَرْشِ اسْتَقَرْ


يا خَالقَ الإصْبَاحِ والإمْسَاكِ.. أَنزِلْ نَصْرَكَ المَيمون.. واجْمَعْ جَمْعَنا المَفْتور

فأنتَ الـــلَّـــهُ في عَرْشٍ.. يُحيطُ الكونْ

فزَلزِلْ كُلَّ أَرض الرُّوم


ذَرَوْنا نَنْدُبُ الأَتْرَابَ والأَحْبابْ..

وفي لَيْلٍ يُريحُ القَلبْ.. 

أَتَانا طَيْرُهُم يَعْوي 

ليُنْزِلَ مِخْلَباً في القَلب


فيا الله..

فيا اللَّهُ لا تَرحَمْ.. فظُلْمُ الإنْسِ.. قد نَمَا في الأرض

حَفظنا اللهَ في زَمَنٍ كَلَيْلِ البِيِدِ.. ذَرَاهُ البَدرْ 

فإنْ جِئناكَ.. يا سَنداً.. 

فكُنْ عَوْناً.. لهذي الأرض

وكُنْ عَوْناً لهذا القلب

*** 

على الأعْرابِ لا تبك.. ففي أَجْسادِهم رَغِبوا

وإنْ مِتْنا.. فلنْ تَرتاحَ مَوْتَتُنا

أَفي أجسادِنا الذّهَبُ؟!

وفي الأفلاكِ مُتَّسَعٌ، سَيَجمَعُ كُلَّ مَنْ ذَهَبوا

وإنَّ اللهَ لا ينسى مَنْ في أرضِهِ ظَلَموا

سيَجمَعُ قَوْلَهم يَوماً.. لماذا طِفلها قَتَلوا؟

لماذا رَحْمَها عَقَروا؟

لماذا لَطَّموا الأطفال؟

لماذا يَتَّموا الخِلّان؟

لماذا هَدَّموا البُنْيان؟

لماذا بَخَّسوا الأَوْطان؟!

***

ألا يا رَبُّ إنَّ الأرضَ قَد ضاقتْ

وإنَّ البَحْرَ مُضْطَرِبُ

وإنَّ الفُلْكَ قَد خُرِقَتْ.. وفي أَحْشائِها لَعِبوا

وإنّ المُزْنَ قد طَلبتْ.. رِيحًا كُلّها غَضَبُ

****

سيأتي الدّينْ

سيأتي الدّينُ يا أُمِّي..

سيأتي الدّينُ بالتّوراةِ مُتَّشِحٌ، وبالإنجيلِ، وبالقُرآن

ويُعلنُ رايةَ الرَّحمنْ

سيرفعُ في البِلادِ الحَقَّ

دَعيهمْ يقتلونَ الإِنْس، دَعيهمْ يَظلمونَ الجَان

فإنَّ اللهَ يَجْمَعُهُمْ بيومِ الدّين

ويومُ الدّينِ لنا بُرْهان

سيأتي الدّين..

سيأتي الدّينُ يا أمّي..

وإنّ الدينَ لنا بُرهان..

فإنْ قتلوكِ في وَطنٍ.. فعِند اللهِ لَكِ الأَوطان

السّابع من أكتوبر


أتذكّر جيّدًا كيف أصبحتُ في ذلك اليوم -السّابع من أكتوبر المجيد- لحظات فقط.. وأدركتُ أنّ الأثمان التي ستُدفع ستكون بهيظة والمآل سيكون عسيرًا للغاية، ثمّ أنطقتُ فمي: اللهمّ سَلِّمْ.. اللهمّ سَلِّمْ.


علمتُ حينها أنّه ليس موعد النّصر الذي سيكون في آخر الزّمان وإنّما هو صولة جديدة كي لا ينسى السّلاح مكانه ولا ينسى الشّريف ترابه؛ فبلادنا منكوبة مهلوكة، لا تشرق عليها شمس ولا يتبعها قمر، من يقتفيها لا يعلم من أيّ صوب تهلّ عليه أخبارها العَفِنة، وكيف تشيخ في ظلالها الأيّام؛ أهلها نيام وعلماؤها في ظلام تامّ، وشيوخها آلهتهم كُثُر، وساساتها ليسوا صنّاع حربٍ أو طَعْن، وليس لهم في خرائط الأرض بُقعة واحدة. أدركت أنّها ستكون حربا دمويّةً سيقتفي آثارها الكلّ؛ في منظرها، في هلاك أهلها، وفي ذُلّ مَن كانوا يومًا دعاتها. وما الثّمن؟ الثّمن بات واضحًا كما هذا الحرف؛ إنّنا -نحن العرب- لسنا أهلًا للحرب.


نحن نحبّ الحياة مترفةً بالعِصيان، نحبّها مليئةً بالهَذَيان والسُّكْر، نحبّها ممزوجةً ببعض من المُجْن، لا نحبّ أن نواجه أنفسنا في ملذّاتها، أو أن يكون لنا قوانين تقودنا. نحن لا نحبّ أن نواجه الحقائق، ولذلك نُهزَم في أشيائنا، نُهزم دائمًا عند أوّل مُنعطَف حقيقيّ يمتحننا ويضع المرايا أمامنا صوب أعيننا. ولن تجد -هاهنا اليوم- رجلًا واحدًا يكون بأمّة، ذا مبدأ وراية، معلّمًا أمينًا وقائدًا متينًا، بل هؤلاء -السّاسة- في مصائرهم التي وُجدوا عليها.. لم يصلوا بعد لحقيقتهم، هم خيالات في سراب سرمديّ.. نقتفيه من ورائهم وندلّ عليه! ولو أنّ عروشهم من ذهب لكنّا قد اعتبرنا وعذرنا، لكنّهم لا ثمن لهم حينما الوالي الأصفر يصدر الأمر.. والتّاريخ يشهد.


هذا السّابع من أكتوبر اللعين أتعبنا وأهلكنا وأظهر علينا أنفسنا، صرنا من خلفه نبحث كما الكلاب اللاهثة عن مصائرنا هنا أو هناك بين الأزمان والأمكنة في خبايا الأرض؛ مَن نحن؟ ما لوننا؟ ما كياننا؟ وما ديننا أو دَيْدَننا؟ صرنا نبحث عن معانٍ جميلة ربّما كانت لنا في أيّامنا.. علّنا نرمّم ما تآكل به بنا. وإنّما اللعنات هذه.. إنّما هي على أنفسنا.. كيف صرنا وكيف غابت عن مرايا هذا العالم الواسع الفسيح صورنا؟!

أتعَبَنا ذاك اليوم؛ زلزلنا وهدم علينا حرفنا ونصّنا وكسر قافيتنا، لم يعد بإمكان المرء أن يواجه صورته وهو وحده.. وهو يكتب ويقرأ ويعيش، إنّنا الآن جالسون حيثُ يجلس من يريد النّهاية؛ على حافة الجُرف بل الهاوية. وإنّما مصائرنا بعد هذا اليوم ستكون سرابًا، سنعيش ما تبقّى لنا من أيّامنا ونحن مدركين تمامًا كيف هو لون الهوان وما هو طعم الخيانة، وبعد مائة وستّين يومًا.. بات جليّا لنا جميعًا ذلك.


نحن أقوام لا تعي من مفاهيم النّصر إلّا صلاة الغائب، فكم صلّت الأعراب على "السّابع من أكتوبر" صلاة غائبٍ دون أن تطُلِق له راصاصة واحدة في الهواء، ربّما هم نفسهم في أنفسهم خَجَل أن يخبّروا العالم -هذا الذي يكذبون فيه- أن هذه الصّلوات إنّما هي على أنفسهم وليس على من مات في ذلك اليوم.

الأجيال المختارة القادمة سيكون لها كلمتها لا شكّ، سترمي وراءها كلّ ما لا يُقتَنى؛ أجدادها ومبادئهم وبعضًا من عوالمهم ثمّ ستصنع الكلمة لأنها ستكون قد آمنت بها، ستمزج في دمها آلاف الأحرف والكلمات التي فيها من العزّ والكبرياء.. حينها... ستدور الأرض بين أصابعهم.

أمّا أنا.. وما قرأتُ من تاريخ وأدب وشِعر.. وما كتبتُ منهما.. سنذهب أدراج الرّياح، فكيف سنؤمن بهذا الحرف المهترئ... بعد أن استولى عليه نصّابٌ ومدّاح؟

أنا السّاقي وللأيّام أمرٌ

ألَا إنّي لِهذا الحُبِّ ساقي

ألَا أَدْرِكْ صَحيحي مِن نِفاقي


ألَا واشربْ كُؤوسي إنَّ فيها

مَتَى سُكِبَت

 تَرى طَعْم العِنَاقي


تُراودني البَشائرُ أنَّ خِلِّي

يُزاحمني الوُصولَ إلى تَلاقي


وما تَرَ غَيرَ ظِلِّ القومِ هَادٍ

كَطِفلٍ شَارِدٍ بَطِرٍ وعَاقّي!


وَإنّي إذْ أبيتُ على فِراشي

وَجَنْبي قد تَمرَّد عَن لِحَاقي


وَعَيْني إنْ بدا للّيلِ خَيْطٌ

أتى صُبْحٌ وَآذَنَ بِالطَّلاقي


وَقَلبي مُتْلَفٌ تَعِبٌ هَجِيرٌ

يُسائِلني وَيُكثِر في خناقي


وَهَلْ يَنسى حَبيبٌ دَرْب حُبٍّ

إذا جمْع الأحبة في تَلاقي؟


ألَا شَيءٌ.. يُذَكِّرني بِأنِّي

كريمُ الجَدِّ مَرْمُوقُ الخَلاقِي


نَبيلٌ ليسَ يَذكرني ذَميمٌ

تَمَرَّغَ فِي ظَلامٍ أو نِفاقي


عزيزُ النَّفس عَن خِزي وَذُلٍّ

سَلِيلُ المَجدِ فِيهِ الطِّيبُ باقي


وَذا كَلِمٌ يُوَقِّرُ كُلَّ بِرٍّ

فَصِيحُ القَوْلِ فِي نَهْجٍ ورَاقي..


وَلِي إِلْفٌ.. يُداعِب كُلَّ ذِكرىً

وَيَطلَع فِي سَمائي كَالمُحاقي


وَيَنزِل فِي صَلِيدِ القَلب غَيْثا

وَيُجري ما تَبقَّى فِي المَآقي


إذا ما شَاءَ أَنْزلنا الثُّرَيَّا

وَمَهَّدْنا الثَّرى مِن كُلِّ رَاقي


وَأَكْتَبْنا عَلى الأوراق شِعْرا

يُوَلَّد مِن هُيَام وَاحْتِراقي


لهُ الأكوانُ.. والأكوانُ تَتْرَى

 إلى ذاكَ الصَّفِيِّ لَفِي سِباقي..


ألَا فَاسْمَعْ حَديثي يا نَديمي

وَهَلْ تَفْنى المُروءَةُ فِي الفِراقي؟


سَتُكتَب في مُتون الفَنِّ حَرْفا

لِيَقرأه العُمُوم عَلى نِطاقي


وَتَبْقى في قَصِيِدِ الشِّعر بيتا

يُغَنَّى بِالشَّآم وَبِالعِراقي


ألَا إنّي لِهذا الحُبِّ سَاقي

وَهَلْ أَدْرَكتَ صِدْقِي مِن نِفاقي؟


أنا السَّاقي، وَلِلأيَّام أَمْرٌ

وَقَد دَارتْ لَياليَّ البَواقي


أنا السَّاقي، أنا الظَّمآنُ عِشْقًا

وَقَد أُشْرِبْتُ مِن كأسٍ دِهاقِي!


أنا السَّاقي.. وَقد أُشرِبتُ كأسا

وَكان شَرابُها مُرَّ المَذاقي


أنا السَّاقي وَالمَسْقِيُّ هَمًّا

وَقَد غُشِّيتُ مِن رَأسي لِسَاقي..


أَيَـا رَبِّي..


أَيَا رَبِّي.. وَخُذْ مِنّي زَمانا

إلى ذاك الشَّقِيِّ المُسْتَرَقِّي


وَأنْبِتْ في حَشا المَذكور نَارًا

لِيُسْرَجَ لَيلُهُ مِمّا أُلاقي


فلا سَقِمٌ سَيَبْرى دُونَ طِبٍّ

ولا كأسٌ سَتُسْقَى دُون ساقي


ولا كَلِمٌ.. سَيَشْفي وَجْدَ قلبٍ

إذا ما عاش مَكْدُورًا.. يُلاقي..


حَديثُ الرّيح

وقـال الإبـنُ: يا أَبَـتي..
رِيَـاح العَـارِ.. تَــأتـيـنا
إذا ما الرِّيحُ تَغشانا
ولا أحدٌ.. يَكُفُّ الرِّيحَ إذْ تَـغـشى بَـيـاديـنـا!
وَصَـوْبَ الرِّيـحِ خَـيـمَتُـنا
وَصَـاريـها.. بِـطَـوْعِ الرِّيـح..
إذا ما الرِّيـحُ دَقّـتْ بَـاب صـاريـنا
فـأين الرّيـحُ تَـنـقُـلـنا؟
فـلا تـَحزن أَيَا أَبَـتي إذا ما رُحـتُ أمـنَـعُها

***

أَيا ولـدي..
أَلم تَـعلم بـأنّ الفُـرقَـةَ الحَـمـقاءَ تَـمنَـعُـكُم؟
فـلا الأحـجارُ قُـوَّتُـكُم ولا السِّـكِّـينُ قـوّتـكم
إذا ما الرّيـح هاجـتْ.. فَـقُـل يا مـوتُ.. عَـجِّلْ زَوْرَ صَـارِيـنا!
فـقـال الإبنُ في عَـجَـبٍ:
أَأقـعدُ جَـنْـبَ صـاريـنا..
وأنـظـرُ خـيـلَـنا تَـصْـهُلْ.. بِـوَقْـعِ الرِّيْـح؟!
وأرقـبُ مـوتَـنا يـأتـي.. وهـذي الرّيـح؟!

***

أَيـا ولـدي..
فَـتِـلكَ الرّيـحُ.. إنْ لم تُـصْـغِ ما فـيـها.. فـلـن تُـنـصَر
ولن تَـجتـاحَ ما فـيـها
أَلم تـفـهـم.. بـأنّ الرّيـحَ تَـقـتُـلـنا بـدون الرّيـح!
وأنّ الرّيـح تَـقـتُـلـنا بِـسِـكّـيـنٍ.. لـنا.. فـيـها!
تَـفـرُّقـنا.. تَـبـاعُـدنا.. تَـشـاحُـنـنا.. تَـشـتُّـتـنا
فـلا النّـيـرانُ تـشـتـعلُ.. إذا ما ضُـمَّ مـا فـيـها
ولا البُـنـيَـانُ تَـكـتَـمِـلُ.. إذا البَـنّـاءُ فَـرَّقـها
وإنْ أصـغـيـتَ ما فـيـها.. بِـتـلـك الرّيـح..
فَـرِيـحُ الكـون.. سَـتـذبـلُ قـبـلَ رامـيـها
ألم تَـسـمـعْ نِـداءَ الله؟
أَنِ اعْـتَـصِـمـوا بِـحَـبـلِ الله واتَّـحِـدوا
وأنّ الله يَـخْـذُلُـكـم.. إذا ما صِـرتَ مُـتَّـحِـدا
أَلَا واعْـلـمْ.. بـأنّ الحَـقَّ مَـنـصـورٌ.. وأنَّ الشِـرْكَ مَـوتـورُ

***
(فجأةً)

ألـم تَـسـمـع بُـنَي؟
مَ.. يـا أبتي؟

صَـفِـيـرُ الرّيـح يَـأتـيـنا
وخَـيـلُ البِـيْـدِ قـد ثَـارتْ.. وصَـاحتْ فـي دَيـاجـيـنا
عـلـيـكَ الآنَ أن تَـرْحَل!
بـلا خَـوفٍ.. يَـهـزُّ النَّـفْـس
وَقُـلْ بالله مَـمْـشـانا ومَـحْـيـانا ومَـلْـقَـانا
وهَـاتِ الـيَـدَّ نَـجـمَـعُـها.. وهَـاتِ الـخَـدَّ نَـجـمَـعُـه
لَـعَـلَّ الوقـتَ يَـخـذُلـنا بـهـذي الأرض!
فـلا نَـحـيا.. ولا نَـشـهد لِـقـاءً قَـطّ
وَقُـمْ للـرّيـح تَـمـنـعُها
بِـحـدّ السَّـيـف
وحَـدِّقْ فـي دُجـى البَـاغـي.. بِعَـيْـنَـيْ نَسْر
وَقُـمْ واضْـربْ.. بِبِـسْــــمِ اللهِ.. يَـنـكـشـفُ ظَـلامُ الّليــــل

دُبلوماسيّة القَمْح

أمرُّ مُحاذيًا بِحَقْل القمح

فَوِجهتي تتطلّب المُرورَ به في كلّ يوم

رؤوس القمح مرفوعة

مرفوعة جدّا

أجسادها لا تتقن التّواضعَ إطلاقًا!

كعادتي الفضوليّة

سألتُها..

فردّتْ: إنّها دبلوماسيّة القمح!

انتكاسة الأنثى

 



لم أكن أعلم أنّ للمرأة عيدا أو يوما! ومتى كان للمرأة عيدٌ في بيوتنا؟ 


تتوالى الأحداثُ والمؤتمراتُ في كلّ بلدٍ يتّسمُ بالتّطوّر، أو يُنسِّبُ نفسَه داعيَ الحضارة والقوميّة والإنسانيّة، فتراه يضع المرأةَ نَصْبَ عينيه -في دول هذا العالم الميّت- في أوّل خطابٍ رسميّ له، مدّعيا.. أنّها مُمتَهنَة ومكسورة، وما قامت لها قائمةٌ منذ أن وطأ الإنسان الأوّل الأرضَ! وأنّ حقوقها منتهكة! وأنّها محض اسم أنثويّ لا غير! والأجمل في ذلك الأمر.. أنّنا صدّقناه! فترانا نشيد ونعدّ المقالات، ونكتب الشّعر والنّثر تابعِين له!


المرأةُ إن لم تكن نِصف المجتمع -كما قالوا- هي الكلّ، الكلّ بالفكر وبالإدراة وصياغة أجيال جديدة تَعِي تماما معنى الأخلاق والدّين، مُقِيما فِكر الإنسان وحياته. لم تُهمّش المرأة يوما في مجتمعاتنا قطُّ، حتّى عندما وُئدت.. ما همّشها أحدٌ بفكر ذلك الإنسان الأوّل! بل ربّما كان لتكريمها -كما رأى العالم الغربيّ لنا- أساسٌ للمجتمعات الغربيّة لقلبِ الطاولة على عقول الأعراب.. حين خَلَت مجتمعاتهم من مفهوم الأسرة والأمّ.. قبل كلّ شيء!


الدّين الإنسانيّ الإسلاميّ الحنيف، يعلّمنا ما المرأة، يعلّمنا مَن هو ذلك الشيء العظيم الذي إن ضَعُفَ هُنّا وهانت أنفسنا، هي الأمّ والأخت والزّوجة، هي القلب الحنون لكل تائه هاربٍ كسّرته أزمانه. الإسلام الذي جاء دون أن يَمْزُجَ أفكارَ الإنسان بقوامةِ الدّين والدّنيا، قد أنصف وعَدَل، حتّى بَدَت المرأةُ منذ ألف وأربعمائة وأربعين عاما وبضع أخريات؛ شيئا -ما إن أتى عليه الإسلام حتّى- ثار عليه الجميع مستنكرين ما وجدوا من إكبارها وإجلالها! أكرمها؛ إذْ أعطاها الحياةَ بأمر ربّها -أولا- فنقلها من ظلام الأرض لنورها، في أمرٍ كان مُنكَرا بين كلّ العرب، ومِن تعبٍ وهمّ للرّجل إلى راحة لها وله، وحتّى سُوُر القرآن الكريم.. لم تخلُ من أن يكون لهنّ النصيب العظيم فيهنّ.. أعظم ما نزل على البشر.. كلام الله!


أبصِر العالم الغربيّ -سيّدي العزيز- سَتَجده عالما يفتقر لمعنى الأسرة والأم! فتبلغ البنت سنّها لتنفصل بعد ذلك عن أسرتها -تحت حماية قانون دولتها- نحو عالم مجهول.. مع حبيبٍ شهوانيّ ليس مُهيّأ بعد لبناء أسرة رفيعة! 

عالمهم يخلو من الأبطال -سيّدي العزيز- فيصنعون دائما.. "سوبرمان"، "باتمان"، "فتيات القوّة"، إلخ! عالمهم بسيط جدا! لا أقصد العالم "الماديّ" من حديد واسمنت ونُحاس -فمادة الشيء زائلة- بل أقصد عالم الفِكرة، ذلك العالم الذي لا يستطيع أن يتملّكه الكثيرون، بل قلائلٌ من يفعلون ذلك.


وكنتُ قد قرأتُ عن أعرابيّ - قد سكن الصّحراء قُبيل الإسلام- لِوَأدِهِ ابنةً له، أنّه قال: "أتتني ابنة كوجه القمر ليلة النّصف، فخشيتُ عليها أن يمسّها سوءٌ مِن أحد ساكني الصّحراء عديمي المُروءَةِ إذا اشتدّ عودُها، فينما أنا بين أمريها.. اسودّ وجهي، واخترتُ موتَها من بين حاليها الكريهين!".

فكان الوأد لها آنذآك حياةً لها لا موتا عليها! خوفا أنْ يمسّ رداءها ظلمُ المشرّدين واعْوِجاجُ الإنسانيّة، فكان الظنّ السّائد -آن ذاك- أنّ الجواهرَ لا يجب أن تراها الشّمس، والأرض هي المستودع. ليغفر لنا الله عن أخطائهم!


قد كرّمها الإسلام بالحياة أولا، ثمّ كرّمها وأخبرها أن تختار مَن تأمَن به متاعبَ الدّنيا من زوجٍ يكون لها أهلا وعونا -بعد أن استعبدها أراذِلُ العرب- ولمّا صارت أمّاً.. قَرَنَ ربُّها طاعته بطاعتها! فعاصيها هو عاصٍ له.. وبارّها هو بارٌ له! أيّ تعظيم ذاك أيّتها الأنثى! وقال فيها النبيّ عليه السّلام: "ما أكرمهنّ إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم".


ونتذكرّ قصّة الرّجل الذي جاء الرّسول طالبا الجهاد -والجهاد هو الرّكن الأعظم في الإسلام- فسأله النّبي: "ألكَ أمّ حيّة؟" قال: "بلى"، قال -صلّ الله عليه وسلم-: "فالزم قدميها فبهما الجنّة!". أيّ تكريم.. أُعطى لبني حوّاء! 


ما أوجب الإسلام عليها من موجبات كان لله حجّة وغاية، فما أمرها بأمر إلّا ليصونها ويحفظ كرامتها، ويحميها من مَن يقتاتون بأعراضها. مَن يتبصّر بما أوجب لهنّ الإسلام مقارنةً بالرّجل؛ يعي تماما أنّ الله أكرمهنّ -ما ميّزهنّ الله.. لكنّه تعالى عدل مع جنسي خلقه والإكرام هو ما استحقت الأنثى منذ خلقها- فإنفاق الرّجل مع راحة لها، وأمْرُه بِحُسْن عشرتها.. فكان تكليفاً واجباً ليس اختياريّا له، وقضايا الميراث التي أشاد الأغراب بها لينتهكوا من إسلامنا السّمح ما هو إلّا دليل وحُجَّة لنا تنقلب عليهم؛ فأعطاها لما يكون ذخراً لها، وما أُعطي للرّجل كان إنفاقاً عليها.. هذا وقضيّة الميراث أعظم من سردها الآن. 


ثمّ تأتي الخطابات الغربية.. ولا ندري لِمَ يرفعون لها الهتافات ويقيمون المؤتمرات وهي المكرّمة إلاهيّا! بلْ.. يريدون منها سلعةً بشريّةً ما إنْ تنتهي صلاحيّتها.. يضربون بها وجْه الثّرى.. 

ليس عيبا -بنظري شخصيا - أن يُقام من مثل ذلك من مؤتمرات تزيد الإنسان وعيا وفكرا وإنسانيّة، لكنّ العيب هو أن نُتّهم بأنّ ديننا قد نسي المرأة! العيب هو أنْ نشدّ على تلك الأربطة، وهلْ كان المخلوق أكثر وعيا من الخالق في التّشريع والتنديد؟! حاشا لله! 


تلك المقتطفات؛ نزلت من السّماء لعظيمات الأرض، وهنّ لسنَ بحاجة لتشريعات جديدة تأتي من الأرض للأرض! من شهوة الإنسان لشهوة إنسان آخر! لكن وإن كان ذلك لزاما.. فأرونا غير ما أعطاه الله لهنَ! أرونا تكريما جديدا، غير حقّ العمل، وحقّ الرأي! فهي العاملة العالمة، يُؤخذ برأيها ويُعمل به والقصص كثيرة غنيّة في السيرة والتراث، زمن الرّسول وأمَّ سَلَمَة، زمن الصحابة الكرام.. لكنّ بُنيتَها الضعيفة التي لم يخلقها الله جلّ جلاله عبثا إلّا لغاية، فلا عمل ولا قتال واجب عليها، بل لها حياةً آمنةً تعيش فيها كريمةً بين الكرام.. لتأتي ما وُكّل إليها.


ولم يخاطب الإسلام فئة دون أخرى، بل كانت التشريعات لكلا الجنسين، فساواهما بذلك، و وصايا المصطفى لهنّ دساتير بشريّة في غاية الجمال، فما كان للرجل.. كان للمرأة، فقال عليه السّلام : "إنّما النّساء شقائق الرّجال". والنبي -عليه السلام- ندّد بحمايتهنّ وتكريمهنّ فقال: "استوصوا بالنّساء خيرا". صلّ عليك الله يا سيّد البشر وأكرمهم.


فالحمد لله الذي لم ينتقص من حقوقها شيئا، بل فاق ذلك موازين الجمال والكمال، لأنّها من ربّنا الكبير المُتعال، صاحب العزّ والكمال،  ذو العظمة والجمال، المُنزَّه عن النّقص وليس هو إلى زوال.


كلّ ما كُتب، أحاسَب عليه، لم أكتبه إلّا لأنّ إسلامي الإنسانيّ في الدرجة الأولى.. جعلني أكثر إيمانا بالمرأة فهي أمي وأختي وزوجتي غدا. هي مدرستي، وحُجّتي، فإن أُحسِن التّعليم بها؛ صُنعت القادة، هي الجلال والكبرياء والعزّ والكرامة.


كلّ الأيام لكنّ، فأنتنّ الأيّام. الله كرّمكنّ.. ولا يُخطِئ الله تقديرَ أمرِهِ أبدا.. حاشاه.

يا قلبُ ما بِكْ؟

سألتُ القلبَ.. أنْ يا قلبُ ما بِكْ
إذا ذُكروا تَعَرّاكَ اشتياقُ؟

أَلَمْ تَحْلِف بِهَجْر القوم عُمْراً
وتأتي القومَ كَأنَّهُمُ رِفاقُ؟!

فَمالَكَ..
تَشتَكي للنَّجْم.. روحاً
بِها مِن نَأيِها.. شَوقٌ يُراق؟!

وإنْ دارتْ بكَ الأيّامُ.. أَبْدَتْ
خَفِيّاً لا يُرى.. فَبَدا نِفاقُ!

***
سَألتَ السُّؤْلَ.. واستغربتَ شوقاً
وقد وَسَّعْتَ.. مَن بِالقلب ضَاقوا

أَليسَ الحُبُّ أنْ يَحيا بِصَمْتٍ؟
فَنِصْفُ الحُبِّ مَوعِدُهُ الفِراقُ

ونِصْفُ الحبّ أعمىً.. لَيْتَ تَدري!
وكلُّ القومِ مِن طَبَقَيْهِ ذاقوا

قلوبُ النّاس مِفْتاحٌ وقِفْلٌ
وأسرارٌ، يُقَيِّدُها العِناقُ

وإنّ الإنْسَ روحٌ ثمّ قلبٌ
فإن قلبٌ هَمَى، فالكلّ عاقّ!

وإنّ القلبَ لا يحيا بِإنْسٍ
قَسِيمٍ، لا فِرارٌ.. لا لَحَاقُ!

فلا تسأل قلوباً عنهُ يوماً
فإنَّ القلبَ
في سُؤْلاكَ.. شاقّ..