اقرأ أيضا :

 



لم أكن أعلم أنّ للمرأة عيدا أو يوما! ومتى كان للمرأة عيدٌ في بيوتنا؟ 


تتوالى الأحداثُ والمؤتمراتُ في كلّ بلدٍ يتّسمُ بالتّطوّر، أو يُنسِّبُ نفسَه داعيَ الحضارة والقوميّة والإنسانيّة، فتراه يضع المرأةَ نَصْبَ عينيه -في دول هذا العالم الميّت- في أوّل خطابٍ رسميّ له، مدّعيا.. أنّها مُمتَهنَة ومكسورة، وما قامت لها قائمةٌ منذ أن وطأ الإنسان الأوّل الأرضَ! وأنّ حقوقها منتهكة! وأنّها محض اسم أنثويّ لا غير! والأجمل في ذلك الأمر.. أنّنا صدّقناه! فترانا نشيد ونعدّ المقالات، ونكتب الشّعر والنّثر تابعِين له!


المرأةُ إن لم تكن نِصف المجتمع -كما قالوا- هي الكلّ، الكلّ بالفكر وبالإدراة وصياغة أجيال جديدة تَعِي تماما معنى الأخلاق والدّين، مُقِيما فِكر الإنسان وحياته. لم تُهمّش المرأة يوما في مجتمعاتنا قطُّ، حتّى عندما وُئدت.. ما همّشها أحدٌ بفكر ذلك الإنسان الأوّل! بل ربّما كان لتكريمها -كما رأى العالم الغربيّ لنا- أساسٌ للمجتمعات الغربيّة لقلبِ الطاولة على عقول الأعراب.. حين خَلَت مجتمعاتهم من مفهوم الأسرة والأمّ.. قبل كلّ شيء!


الدّين الإنسانيّ الإسلاميّ الحنيف، يعلّمنا ما المرأة، يعلّمنا مَن هو ذلك الشيء العظيم الذي إن ضَعُفَ هُنّا وهانت أنفسنا، هي الأمّ والأخت والزّوجة، هي القلب الحنون لكل تائه هاربٍ كسّرته أزمانه. الإسلام الذي جاء دون أن يَمْزُجَ أفكارَ الإنسان بقوامةِ الدّين والدّنيا، قد أنصف وعَدَل، حتّى بَدَت المرأةُ منذ ألف وأربعمائة وأربعين عاما وبضع أخريات؛ شيئا -ما إن أتى عليه الإسلام حتّى- ثار عليه الجميع مستنكرين ما وجدوا من إكبارها وإجلالها! أكرمها؛ إذْ أعطاها الحياةَ بأمر ربّها -أولا- فنقلها من ظلام الأرض لنورها، في أمرٍ كان مُنكَرا بين كلّ العرب، ومِن تعبٍ وهمّ للرّجل إلى راحة لها وله، وحتّى سُوُر القرآن الكريم.. لم تخلُ من أن يكون لهنّ النصيب العظيم فيهنّ.. أعظم ما نزل على البشر.. كلام الله!


أبصِر العالم الغربيّ -سيّدي العزيز- سَتَجده عالما يفتقر لمعنى الأسرة والأم! فتبلغ البنت سنّها لتنفصل بعد ذلك عن أسرتها -تحت حماية قانون دولتها- نحو عالم مجهول.. مع حبيبٍ شهوانيّ ليس مُهيّأ بعد لبناء أسرة رفيعة! 

عالمهم يخلو من الأبطال -سيّدي العزيز- فيصنعون دائما.. "سوبرمان"، "باتمان"، "فتيات القوّة"، إلخ! عالمهم بسيط جدا! لا أقصد العالم "الماديّ" من حديد واسمنت ونُحاس -فمادة الشيء زائلة- بل أقصد عالم الفِكرة، ذلك العالم الذي لا يستطيع أن يتملّكه الكثيرون، بل قلائلٌ من يفعلون ذلك.


وكنتُ قد قرأتُ عن أعرابيّ - قد سكن الصّحراء قُبيل الإسلام- لِوَأدِهِ ابنةً له، أنّه قال: "أتتني ابنة كوجه القمر ليلة النّصف، فخشيتُ عليها أن يمسّها سوءٌ مِن أحد ساكني الصّحراء عديمي المُروءَةِ إذا اشتدّ عودُها، فينما أنا بين أمريها.. اسودّ وجهي، واخترتُ موتَها من بين حاليها الكريهين!".

فكان الوأد لها آنذآك حياةً لها لا موتا عليها! خوفا أنْ يمسّ رداءها ظلمُ المشرّدين واعْوِجاجُ الإنسانيّة، فكان الظنّ السّائد -آن ذاك- أنّ الجواهرَ لا يجب أن تراها الشّمس، والأرض هي المستودع. ليغفر لنا الله عن أخطائهم!


قد كرّمها الإسلام بالحياة أولا، ثمّ كرّمها وأخبرها أن تختار مَن تأمَن به متاعبَ الدّنيا من زوجٍ يكون لها أهلا وعونا -بعد أن استعبدها أراذِلُ العرب- ولمّا صارت أمّاً.. قَرَنَ ربُّها طاعته بطاعتها! فعاصيها هو عاصٍ له.. وبارّها هو بارٌ له! أيّ تعظيم ذاك أيّتها الأنثى! وقال فيها النبيّ عليه السّلام: "ما أكرمهنّ إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم".


ونتذكرّ قصّة الرّجل الذي جاء الرّسول طالبا الجهاد -والجهاد هو الرّكن الأعظم في الإسلام- فسأله النّبي: "ألكَ أمّ حيّة؟" قال: "بلى"، قال -صلّ الله عليه وسلم-: "فالزم قدميها فبهما الجنّة!". أيّ تكريم.. أُعطى لبني حوّاء! 


ما أوجب الإسلام عليها من موجبات كان لله حجّة وغاية، فما أمرها بأمر إلّا ليصونها ويحفظ كرامتها، ويحميها من مَن يقتاتون بأعراضها. مَن يتبصّر بما أوجب لهنّ الإسلام مقارنةً بالرّجل؛ يعي تماما أنّ الله أكرمهنّ -ما ميّزهنّ الله.. لكنّه تعالى عدل مع جنسي خلقه والإكرام هو ما استحقت الأنثى منذ خلقها- فإنفاق الرّجل مع راحة لها، وأمْرُه بِحُسْن عشرتها.. فكان تكليفاً واجباً ليس اختياريّا له، وقضايا الميراث التي أشاد الأغراب بها لينتهكوا من إسلامنا السّمح ما هو إلّا دليل وحُجَّة لنا تنقلب عليهم؛ فأعطاها لما يكون ذخراً لها، وما أُعطي للرّجل كان إنفاقاً عليها.. هذا وقضيّة الميراث أعظم من سردها الآن. 


ثمّ تأتي الخطابات الغربية.. ولا ندري لِمَ يرفعون لها الهتافات ويقيمون المؤتمرات وهي المكرّمة إلاهيّا! بلْ.. يريدون منها سلعةً بشريّةً ما إنْ تنتهي صلاحيّتها.. يضربون بها وجْه الثّرى.. 

ليس عيبا -بنظري شخصيا - أن يُقام من مثل ذلك من مؤتمرات تزيد الإنسان وعيا وفكرا وإنسانيّة، لكنّ العيب هو أن نُتّهم بأنّ ديننا قد نسي المرأة! العيب هو أنْ نشدّ على تلك الأربطة، وهلْ كان المخلوق أكثر وعيا من الخالق في التّشريع والتنديد؟! حاشا لله! 


تلك المقتطفات؛ نزلت من السّماء لعظيمات الأرض، وهنّ لسنَ بحاجة لتشريعات جديدة تأتي من الأرض للأرض! من شهوة الإنسان لشهوة إنسان آخر! لكن وإن كان ذلك لزاما.. فأرونا غير ما أعطاه الله لهنَ! أرونا تكريما جديدا، غير حقّ العمل، وحقّ الرأي! فهي العاملة العالمة، يُؤخذ برأيها ويُعمل به والقصص كثيرة غنيّة في السيرة والتراث، زمن الرّسول وأمَّ سَلَمَة، زمن الصحابة الكرام.. لكنّ بُنيتَها الضعيفة التي لم يخلقها الله جلّ جلاله عبثا إلّا لغاية، فلا عمل ولا قتال واجب عليها، بل لها حياةً آمنةً تعيش فيها كريمةً بين الكرام.. لتأتي ما وُكّل إليها.


ولم يخاطب الإسلام فئة دون أخرى، بل كانت التشريعات لكلا الجنسين، فساواهما بذلك، و وصايا المصطفى لهنّ دساتير بشريّة في غاية الجمال، فما كان للرجل.. كان للمرأة، فقال عليه السّلام : "إنّما النّساء شقائق الرّجال". والنبي -عليه السلام- ندّد بحمايتهنّ وتكريمهنّ فقال: "استوصوا بالنّساء خيرا". صلّ عليك الله يا سيّد البشر وأكرمهم.


فالحمد لله الذي لم ينتقص من حقوقها شيئا، بل فاق ذلك موازين الجمال والكمال، لأنّها من ربّنا الكبير المُتعال، صاحب العزّ والكمال،  ذو العظمة والجمال، المُنزَّه عن النّقص وليس هو إلى زوال.


كلّ ما كُتب، أحاسَب عليه، لم أكتبه إلّا لأنّ إسلامي الإنسانيّ في الدرجة الأولى.. جعلني أكثر إيمانا بالمرأة فهي أمي وأختي وزوجتي غدا. هي مدرستي، وحُجّتي، فإن أُحسِن التّعليم بها؛ صُنعت القادة، هي الجلال والكبرياء والعزّ والكرامة.


كلّ الأيام لكنّ، فأنتنّ الأيّام. الله كرّمكنّ.. ولا يُخطِئ الله تقديرَ أمرِهِ أبدا.. حاشاه.

الأقسام :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق