يُطْبِق عليك اللهُ في شيء تحبّه، اطباقاً تتفرّق فيه أضلُعك، لتقفَ في ليلة سوداءَ -في أيّ أراضي الله- لتقول: "هذا الأمر أنساني حقيقتي". ثمّ تمرّ لمكانٍ قَادَتْك إليه أطرافك السّفلى، وترى -بكلّ هشاشةٍ فيك- فيها كم صرتَ وحيدا، لتتأكّد أنّ الله يريد أن يخبرك شيئا، لكنّك -لضحالة بصيرتك- تقف عاجزا أمامه، وتبقى هكذا؛ تدور حيث أنت، في كلّ ساعة ألفَ دقيقة من العجز!
نحن البشريّون المؤمنون بالله يقيناً، يصيبا قهرٌ مِن شيء تأخّر علينا مِن رزقٍ مثلا ونحن نعلم -يقينا- أنّ الله يدبّره، فكيف إذا تُرك لك تدبيره أنت؟! أيّ عجزٍ ذاك.. بمحدوديّتك كبشريّ؟! لا شكّ أنّها رحمة عظيمة، حينما أمر الله أن تكون كلّ أمورنا -ما كان دنيويّا منها- من "تسيير" الإله وحده.
تخيّل لو أنّ الإله لم "يُسيّر" لنا أرزاقنا، أزواجنا، أبناءنا، أعمارنا، حيواتنا.. تخيّل لو أن الله قال لك: رزقك هذا الذي أتاك دون عناءٍ منك بين أطراف يديك في هذا العالم الواسع اللامنتهي.. لك أن تختاره بأيّ صورة تريده لك! ثمّ اسْعَ له أنت دون تدبير من أحد! أتصبح طبيبا؟ أم مهندسا؟ أم معلِّما؟ من أيّ طريق ستسير صباحا كي تدنو "بصدفةٍ" ما تقرّبك من رزقك في هذا العالم الواسع جدّا؟! في أيّ عالم ستعيش كي تصبح ناجحا؟! في أيّ أرض ستحلّ طالبا ما كان صعبا هنا أو هناك؟! أما تخيّلتَ معي كم من العناء أن تفكّر كيف ستنجو في يومٍ واحد؟! فماذا لو كانا يومين أو ثلاثة؟!
بهذا الشّقاء اللامتناهي، لن يقدر أحدنا على العيش طويلا، فالنّعيم والحياة خطّان متوازيان لا يلتقيان بنقطةٍ أبدا.
هذه الدّنيا صعبة جدّا، والأصعب من ذلك كلّه أنّه مطلوبٌ منك أن تصير فيها شيئا وأنت لا شيءَ بتاتا، إضافةً لذلك.. أن تدخل الجنّة لاحقا!
وفي عالَم يكتظّ بالمعصيات، وبالمعارك النّفسيّة بين الشّيء والّلاشيء، بين الحقائق الماديّة والّلاماديّة، بين آتٍ وذاهبٍ، بين مُكَذِّبٍ ومُصدِّق، وبين دُمىً تتحرّك في "دوائرك الخاصة" تصنع لك عالَمك، وبين هذا وذاك تَكْمُن أنت أيّها الضّعيف! كم هو عقاب أن تكون بشريّا هنا!
فلماذا إذن يطبِق اللهُ علينا صدورَنا في أمرٍ نحبّه طالما أنّ الأمرَ مُسيَّرٌ لنا في نهاية المطاف؟! صدقا؛ ما وجدتُ جواباً شافياً لهذا السّؤال، بل كان استنتاجي الوحيد أنّ الله يريدك دائما في معركةٍ ما، وأنّ هذه المعارك هي لك وحدك، وأنّ الله كما أخبرنا -في كتابه العزيز- أنّ الإنسان مهما تجبّر وعلا لن يضرّ الله شيئا، ولنا في قصّة فرعونَ وقصص الأوّلين آية، وليس من المنطق أيضا.. أن تكون ندّا في معركةٍ إحدى طرفيها الله! هي معركة خاسرة يا بنيّ! فإذن؛ الله يريدك أن تخرج من معركتك أو معاركك.. هذا الإنسان الذي لا يكون بشراً، فمن المعروف أنّ كلّ إنسان بشر وليس العكس بصحيح أبدا، وأنّ كلّ معركةٍ ستخوضها في هذه الأرض، لا شكّ أن الله سيعلّمك بها شيئا ما.. لا شكّ بذلك. وهذا الكلام الذي قيل.. لن يكون صحيحاً إنْ كنتَ نائيا عن الإله الأوحد، لأنّ دنياك الآن تسير بلا منهج متبوع أو طريقة تُسلَك، ولا أظنّ بذلك أنّك ستتألّم من همٍّ أتاك لمعركةٍ كنت قد خضتها، فلا يتألّم إلّا حيّ، وأنت الآن ميّت.
وعندما فشلنا -نحن البشريّيون- في اختبارنا الأوّل، عندما كنّا وكان أبونا آدمَ وأمّنا حوّاءَ في الجنّة، فكان لِزاماً على كلّ مَن أراد أن يعود مرّة أخرى إلى تلك الأرض المقدّسة "الجنّة"، أن يعود لها إنسانا لا بشراً، فبشريّتنا -بصورتها الأولى- قد فشلت ولا يمكن لها أن تعود أبدا إلى هناك وهي بنفس الصّورة ذاتها.
ثِقْ تماما أنّ معاركك -مهما عظُمت- فقد وُجِدت لأنّ الله يريدك أن تتعلّم شيئا ما منها.. لا لماهيّتها، لتغدو بذلك إنسانا عظيما، ولا يريد الله بتلك المعارك أن يَقتُلَك أو يُقاتِلْك، فهو قد تَعَالى وترفّع عن ذلك -عظيم الشّأنِ رفيع المقام- منذ الأزَل.
نِزالاتُكَ.. معاركك.. حروبك.. سمّها كما شئتَ، فهي الآن جميعها لك وحدك، فَصَيِّرها كيفما شِئْت، فأنتَ بين حاليْن لا ثالثَ لهما؛ إمّا أن ترجِع لتلك الأرض بشراً، أو ترجع إنساناً، فاخْتَر أيّهما...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق