اقرأ أيضا :


 كان سؤالاً صعباً للغاية لم أر مثله قطُّ، رغم أنّه -لا شكّ- من أسهل التراكيب التي رأيتها! 
كتب لنا؛ مِن هذه الأحرف الثلاثة، اصنع ما شئت: (ل، أ، م). المعضلة حقّاً لم تكن يوماً في الأحرف، فترويضُها عندي ليس بأصعب الأمور، بل كانت المعضلة حينما أكملت قراءة النّص: "لك أن تختار تركيباً واحداً فقط، وليس من حقّك أن تمتلك أكثر من تركيب واحد من هذه الحروف الثلاثة".

كتبتُ في أعلى الورقة:

"أستاذي العزيز.. قد كان سؤالك خاطئاً، فكيف لامرئٍ أن يتنصّلَ من ألمه وفي نفس اللحظة.. أن يهرب مِن أمَله؟! هذا في لغة المنطق باطلٌ.

ثمّ أكملتُ.. إنّ الألمَ حلمٌ، وما من امرئٍ يتألّم إلّا لأنّه حيّ ويحلم بالكثير، فالحلمُ أَلَمٌ وأمَلٌ، ولا إجابة لما بُني على خطأ".

أتى اليوم التالي وشرع بمناداتنا بحسب مقدار الدّرجات التي حصل عليها كلّ واحد منّا الأوّل فالأوّل.. وكان اسمي الأخير، كلّهم كانوا أرفع منّي درجةً في مادة الامتحان. ناداني: حُذيفة.. اتبعني!

لم تكن لي علامة كما الآخرين، كانت ورقتي بيضاء وعليها ما كتبتُ فقط! وكأنّه أراد أن يريني شيئا كنتُ قد جهلته.. أو تأنيبا لي.. فكيف لتلميذٍ أن يُرِي أستاذَه من أين تؤكل الكَتِفُ! أو ربّما هكذا ظننت حينها!

بدأ يقرأ.. بصمت شديد، وكنت قد تيقّنت أنّه لم يعجبْهُ ما كتبتُ من تعابير وجهه، فكتب لي على الورقة ذاتها بخطّ أحمرٍ؛ "كلّ ألمٍ موتورٌ، ولا يمكن لإنسانٍ حيٍّ أن يجتمع به كلا التركيبين، ألَا تعلم أنّ عجلةَ الحياة تدور، ولا يمكن لها أن تتوقّف أبدا إلى حيث ينتهي الزّمان. بل الأشدّ عداوةً للزّمان هو انتظارك جفافَ ألمك كي تمضي قُدُما، وهو تفكيرك ذاك! إنّ الآلام -مهما عظُمت- لا يمكن لها أن تحيا في جوفٍ آملٍ بالكثير، النّار والماء باجتماعتهما معاً هو فناء أحدهما على الآخر.. فإمّا أن تكون ماءً، أو تكون ناراً لا تُطفأ أبدا".

خرجتُ من عنده، ولا شيء في رأسي يدور غير هذه الكلمات؛ قد أنصفتَ أيّها المعلّم، فما من ألمٍ يدوم، وكلّ آلامنا موتورة، وكلّ أيّامِ أحلامنا متبوعة، من فهم ذلك فاز ومَن أراد عيْش آلامه خسر. إنّ آلامك -مهما عظُمت- مستهلَكة، وإنّ أحلامك الباقية، وإنّك مقتولٌ متى فكّرت عيْش أَلَمِك دون أمَلِك.


الأقسام :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق