نصف قرنٍ ونحن ندرس قضيَّتنا

اقرأ أيضا :

قال شاعري مظفَّر النّوَّاب ذات مرّة:
الحزن جميل جدّا
الحزن جميل جدّا
والليل عديم الطّعم بدون هموم
والنّاس خريفٌ يمطر
والأيّام على الذّلّ سُموم
أهلا بدعاة الموضوعيّة
جارتنا إسرائيل
حبيبتُنا
ذات الفضل على تطوير دمقراطيّتنا
هي صاحبة الأرض ونحن الغرباء
وشُذّاذ الآفاق
ونحلم أنّا وطن عربيٌّ مزعوم
ونكاد نقبّل كفّيها
مَنَحَتْنا إحدى البلديات
وبالكاد مطارا تحت المجهر ليلا ونهارا
ونؤذّن بالعبريّة بعد قليل
وعلى مدفع إسرائيل نصوم
أنزل سحابك للأرض ولا تخجل
دولٌ خُلعت
مارست العهر المكشوف بعوراتٍ ستة نجوم
عارض أنت إن شئت
ملائكة الأمن تحيطك
مطلوبٌ خمسُ دقائقَ
يا الله.. وتدخل إنسانا
وتخرج.. لا شيء فيك من الإنسانيّة سوى الصّمت
وتسأل أين اللهُ؟
وكيف توحّدت الموساد العربيّة والموساد!
وتُسِرُّ بصمت: قدرٌ محتوم محتوم
وتفضَّل حارب إسرائيل
بكلّ عروبة عورتك الزرقاء
وقاتل دون سلاح
دون حدود تُفتح
علّ حدودا تجرح بعض المعنيين
من الآن نقول تُخوم
إيّاكَ وإن عُرّيتَ أمام العالم أن تيأس!
ثمَّ قتالٌ شرسٌ باقٍ ما بقي اللهُ
ويحتاج سلاحا وحدودا داخل رأسك
احذرْ أن تزرع إسرائيل برأسك!
حصّن رأسَكَ
وابدأ بسلاحٍ أبيضَ منه
هجوما بعد هجوم يا ولدي
لا نصرَ بدون هجوم
أو تصبح قوّادا دوليّا يا ولدي

** ملحوظة: ابْقِ هذا السّطر من القصيدة "احذرْ أن تزرع إسرائيل برأسك!" وما جاء تحته بين عينيك، سيكون له وقفة معنا ومع هذه العروبة البالية.


لم أكن أعلم أنَّ تلك الكلمة التي ارتبطت بشعبٍ بل بأمَّةٍ.. ستكون يوماً ما.. هي عنصر القوّة، هي الحياة القادمة، بعيداً عن الهَذَيان الفِكريّ واللاواقعيَّة في الكتابة. 
لم تكن حياةُ الفلسطينين تخصّهم للحظة، بل لم تكن دولتهم تخصّهم أيضاً!
توحّدت الدّماء منذ عام الثّمانية والأربعين وألف، منذ أن صارت الأعراس بها طابعٌ فلسطينيّ أردنيّ؛ فلسطينيّ جزائريّ؛ فلسطينيّ وجنسيّة أخرى؛ قد جُمِّعوا لتصير الدّماء دماءا ذات طابع عربيّ لا فلسطينيّ. فمنذ تلك اللحظات؛ أي منذ أن صارت دماؤنا عربيّة بعض الشيء، وصار عنوان النكبة أو ما يشبهها من مصطلح آخر صاغته صحفنا العربيّة لتهدئة النّفوس، يكون له نفس الطّعم، لكنّ العمر مختلف؛ هي النّكسة، محضَ اسم لا غير! لم تعد تعني التشاؤم والخوف والدّمار والهلاك، لم تعد تعني التّهجير والرّصاص، لم تعد تعني اليهود أبناء عمومتنا! لم تعد تعني تلك المصطلحات التي صنعناها نحن بأنفسنا، التي سقيناها دماء أمومتنا وزيتوننا وشقاء القمح البائس.. النّكبة والنّكسة هما فعل ماضٍ لفعل مُضارع آتٍ لا مَحالة.

توحّدت الدّماء، بل توحّدت الأفكار ما بين نصف قرن، أشبعنا ممّا رأينا ، مللنا حكايات التمجيد للسّارقين والخونة، للرّؤوس الكبيرة، للعلماء الكاذبين؛ عبيد المال والمنصب. مللناهم، مللنا أسماءهم، حتى صاروا ما بين جفنين أعوجين لا يُغمضان حتّى يأمَنا أنْ لا يبيتا الليلة في بيوت خالاتهم.. 
فلسطـين؛ حكاية المستقبل تُكتب بمِداد الطّهر والدّم، الحكاية التي كانت مليئة بالفواصل التي وضعوها قاداتنا وعِلْيَة الأمّة فينا، فلا وجود للنقطة في الحكاية؛ رغم أنّ النّقاط توضع بسهولة لقرار ينصّ على إعدام شبّان أتوا مسجدا في ليلهم، أو تحاوروا باسم الله في جلساتهم، فإنْ مات فلانٌ اليوم ما أمنوا لأخيه الحياة، إنْ زُوِّج فلانٌ.. رُمّلت فلانة، إذن حكايتنا قد تؤول في لغة الرياضيات المتقدّمة إلى المالانهاية المؤقّتة!

النكبة والنكسة وقصصُ جدّي التي لم يفتأ لتارّة من ترديدها، مِفتاح جدّتي حول رقبتها، مخزونُ القمح في عليّة المنزل، الكرات الزّجاجية في "مرتبان" الزيت المكسور، عربة العمدةِ الظالمِ، أهازيج الفِلاحَة وبَذْر القمح والشعير لجارنا ولحماره السّمين "أبو صابر" وصوته الذي يكرهه الله و و و.. 
كلّها قصص لم تُحكى عبثاً ، لم تُحكى فقط لأنّ جدي أحبّ أنْ يتذاكرها، لأنّ جدّتي حنَّت للمكان الذي وُلدت فيه.. بـل لأنّهم علموا أنّ تلك القصص ستكون الرّصاص والبندقية لهم، اللائي جرّدوها إيّاهم بعض المخنّثين عديمي المروءة.

لا عليك.. جدّي، جدّتي، فإنّ القوّة لا يردّها إلا القوة وخنازير القوم إن لم يموتوا اليوم على يد صلاحٍ جديد من ظهور هذه الأمّة، فالقيامة قائمة لا مَحالة، ستقوم ولن يكون فيها إلّا فلسطينا واحدة، لا كما تدّعي خرائط جوجل، التي عرفناها بزيتها وزيتونها وحمامها الذي كان رمزا للسّلام للأمم التي قتلت أطفال السّلام!.

ستثور الفتيان وستُنشر الزّغاريد، ستفيض الأتربة شهداءً بلا أكفان، فلولا الخونة والعميلون لما تذكّرنا تاريخنا.. فشكراً لكم!.

إذنْ؛ فلترقدي بسلامٍ جدّتي، واستحضري جدّي في المنام.. واجلسا وحدّثا الملائكة عمّا حدثتمانا.. وارتقبا.. فإن حكاية فلسطين كاقتران تربيعيّ؛ سيبلغ الذّروة ثمّ يعود مرّة أخرى كما خلقه الله، سيعود فلسطينا. فلسطين الحياة وفلسطين فلسطين.

"أيا مـَنْ قد أُمـِـنـْــتَ على بــلادي
أعـِدْ نبض البلادِ إلى الحيــــــــاةِ

ويا مـَنْ قد أَمـُــنـْــتَ على عــراقٍ
أعـِدْ ماءَ الفُراتِ إلى الفُــــــــراتِ"

وختاما؛ كان لا بدّ أن تعود للأعلى لتستذكر السّطرالتاسع والثّلاثين. فهو في دين الأحرار عقيدة ومنهج. بلّغه.. انشره.. أنشئ أبناءك عليه.. أشربهم أنّ إسرائيل عدوّهم وقاتلهم، وإيّاك إيّاك.. أن توطّن يوما ما إسرائيل في نفسك، فملعونٌ أنت.. ملعونٌ في دستور الأحرار.

حرّر اللهُ فلسطين، وأعادنا إليها فاتحين، وأكرمنا بصلاة في مسجده الأمين.. آمين.. آمين.   

الأقسام :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق