اقرأ أيضا :
والخائنون لا يعرفون
معنى الوطن، أليس كذلك يا حُذيفة؟
- لا
يا قيس؛ هم يعرفونَهُ جيّداً للدَّرجَة التي أمكنهم فيها بيعه.
وكيف ذلك؟!، كيفَ يبيعُ مَن
عرف؟
- عندما تخسر كلَّ شيء، عندما
تصل لنقطةِ الموت التي لا عَوْد فيها للحياة، وتُخيَّر إمّا الوطنُ أو أثمنُ أشيائك..
عندها يُباع الوطن.
أَليسَ هذا مِن الضّعف.. أن تختار الوطنَ على أثمنِ أشيائك؟!
- يا قيس؛ لا يمكن
لرجل حافٍ أن يذود عن وطنه، لا يمكن له ذلك وهو لا يملك شيئاً ليذود أثر الأرض عن قدميه! ومن
الجُنون أنْ تعطيه بندقيّة لأجل ذلك.
يا قيس.. الوطنُ يُباعُ عندما تخسرُ كلَّ شيء فيه. عندما يُقتلُ الحبُّ.. الأملُ.. الدِّفءُ.. في المكان الذي تتنفّس منه وتقيت من أحببتَ فيه، ويتبدّلُ الحبُّ والأملُ والدِّفء ويعيش الكره والخوف فيه.
إنّكَ تبالغ كثيراً كعادتِك! ألا تعرف من كان شريفاً رغم ضعفه وفقره وأبى أن يخون الوطن؟!، ألا تعرف من ذويك وأهلك من كان منهم؟!، أنا أعرف الكثير والكثير منهم.. فالمقاهي ممتلئة بقصصهم اللعينة!
- نعم يا قيس؛ هناك من لا يبيعون
أوطانهم وقد خسروا كلَّ شيءٍ من قبل، أَوَ تعلم من هم يا قيس؟
قد قلتُ لك سابقاً.. أعرف الكثير منهم..
- لكنّك كعادة الجميع.. تسيرُ على الشطّ وتدَّعي أنّك أمهر السبّاحين! وعندما يوشكُ أحدهم على الموت أمامك غرقاً.. تعترف أنّك لا تفهم شيئاً، لكن بعد فوات الأوان.
بل إنّهم يا قيسُ، الذين أرادوا أن يكون لهم قبرٌ هنا في هذا الوطن، ليُقال عنهم: قد دُفنوا في أوطانهم. فالكلُّ يظنُّ أنَّ مَن يموت في وطنه يكون شريفاً حافظاً للعهد! والحقيقةُ أنَّه أراد ثمناً أكبر مِن الذي قد عُرض عليه ليبيع شيئاً من هنا، ولكنّهم رفضوا ذلك، فكان الزَّمنُ هو الحَكَم.
أنت لا تعترف إذن، بالوطنيّة والأمانة، وكلُّنا في نظرك سنبيع أوطاننا إذا عُرض علينا الثَّمن المناسب يوماً ما.. أليس كذلك؟!
- لا يا قيس، أنت من سأل عن الخيانة أولاً، وأنا فقط أدّيتُ دور المجيب، وكنتَ تسأل عن أنّ من يخون.. قد خان لجهل، ولم يكن يعلم جيّداً عظمة ما خان لذلك خان.. لم تسألني عن غير ذلك!.
نعم أنت على حقّ، إذن.. هناك من كان وفيّاً لوطنه؟
- بلى يا قيس، لكنّهم قلّة، مجهولون في غياهب إحدى الأمكنة المظلمة، إن رأيتهم لا تكاد تميز منهم لا قلباً ولا وطناً، ولا يعلم أحدٌ أحدٌ أنّهم أوفى الأوفياء لزهر الوطن، ليس كباقي الشُّرفاء الذين يرتادون مقاهيك الذين ادّعيت أنّك تعرف وفاءهم جيّداً وأثقلوك بقصصهم اللعينة في الذَّود عن أثمن أشيائهم!.
قد أتعبتني حتّى أجهلتني نفسي!، فهل أنا خائن أم وفيٌّ أمينٌ على وطني؟، أخبرني كيف لي أن أميز خائن وطني من غيره.. علّي أميز نفسي من بين تلك النُّفوس.
- لا أعلم على ماذا جُبِلَت طينَتُك يا قيس. وإذا أردت أن تعرف.. فعندما يطلُب جَسَدَكَ مُغلَّفاً بروحكَ الوَطَنُ.. وتُلبّي نداءه مُحبّاً.. لا خَوّافاً ولا تفعل ذلك خوّاناً ولا مكان للتّراجع فيك، فأنت إذن، مَن يبحث عنكَ الوطنُ.
وأنت، أيّ واحد منهم؟!
- لا أعلم.. دعنا ننتظر نداءه الميمون، كي نعرف بالضّبط من أنا.
وإلى أن تأتِ تلك اللحظة.. تعالَ معي نجلس في ذات المقهى الذي أخبرتك فيه عن قصصي العظيمة عن النُّبل والولاء، وكيف أسرفتُ بحبّي وتضحيتي للوطن.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق