اقرأ أيضا :
ما زلت أذكر كيف ظلّ ذاك الطفل صغيرا دون أن يكبر، ما زلت أذكر كيف اشتدّ عوده دون أن يخطو في أعمار هذا الزّمان ولو يوما واحدا! ما زلت أذكر كيف نما ونمت أعناقه حتّى بلغ عنان السّماء، دون أن يكبُر ولو مترا واحدا في لغة الأرقام التي تعلَّمها.
وبقي ذاك الطفل اللعين.. يكتبُ.. ويكتب -حتّى هذا اليوم- وهو لا يعلم كم كتب من لعناتٍ له دون أن يعلم، يكتب وهو قد بلغ العشرين وبضعا أخرَيات من هذه السّنين القاحلة، يكتب وهو قد هرم داخلُه بعض الشّيء.. يكتب وهو قد نأى بعيدا في جوف الأرض دون أن يتّكئ في ذات يومٍ ويرى كم كتبَ ونأى عن عنان سمائه التي غنّى لها يوما.
كلّ كتاباتنا لعينة، بل الأشدّ لعنةً منها؛ هو إيماننا العظيم بأنّ هذا العالمَ لا يملك مثيلا لنا، وأنّنا مختلفون كليّا، وأنّ العالم سيخرب ويتوقّف ليتوسّل لنا إذا ما نأيْنا واعتكفنا ما اعتكفنا جانبا، ونحن نُهزَم عند أوّل صراع فكريّ لنا!
لا تدور القصّة بحُبْكَتها فقط، ولا بكيفيّة نَسْج الأفكار فيها، بل الأهمّ من هذا كلّه، هو كيف تختار شخوصها بدقّة متناهية، فلا يعقل أبدا أبدا.. أن تختار لفكرة قياديّة.. رجلا لا يعرف معنى الرّجولة، بل ولا يتقن شيئا يؤهّله لامتلاك ذاك الدور القَصَصِيّ!
ولكلّ واحد منا قصّة وله فيها حبكة ما، لكن يعجز الكثير أن يكون مُخرِجا سنيمائيّا ناجحا؛ يختار من هذه الشّخوص الكثيرة، ما يناسب لون قصّته وحبكتها.. ولهذا أنا أكتب اليوم.. حيثُ لم يوفي ذاك الطفلُ اللعين حقّ قصته شيئا.
وها قد كبُر كثيرا، ليعرف كيف لهذا الفتى أن ينعى ويؤبّن نفسه، وهو ما زال يتنفّس ويعيث في الأرض فسادا؟! كيف ينسى المرءُ فينا لونه وكيانه، والمنهجَ الذي رسم قصّته؟! كيف تنفذ كلّ الأضواء من خلاله.. إذا لم يكن شفّافا كفاية؟!
وها قد كبُر كثيرا، ليعرف كيف لهذا الفتى أن ينعى ويؤبّن نفسه، وهو ما زال يتنفّس ويعيث في الأرض فسادا؟! كيف ينسى المرءُ فينا لونه وكيانه، والمنهجَ الذي رسم قصّته؟! كيف تنفذ كلّ الأضواء من خلاله.. إذا لم يكن شفّافا كفاية؟!
يا لها من لعنات أن تواجه الأقدار وحدك! ثم تذهب في أواخر الليل -وحدك أيضا- لتبكي شيئا قد ضاع منك أو قد يضيع!
وحدنا نكتب القصّة.. وحدنا نُنْشِد القصّة.. وحدنا نهرم مع القصّة.. وحدنا نموت مع القصّة.. ووحدنا نرثي أنفسنا مع القصّة، والمحصِّلة من هذا وذاك.. هو أنّنا نفهم في وقت متأخّرٍ.. أنّنا لا نصلح لكتابة القصص، ولأجل ذلك؛ سنعيش اليوم لكن دون قصّة تُثْقِلنا وتزيد من أحمالنا، فالأطفال غيرُ مؤهّلين لكتابة القصص، لكنّهم مؤهّلون -فقط- للاستماع إليها ليلا قبل النّوم!
وهذه قصّة.. كتبها كاتبُها لأجل أن ينام، وينسى أنه قد كتب في ما خلا من أيّامه قصصا عظيمة، لم تصلح لشيءٍ سوى لينام ليلتَه هذه أو تلك...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق